Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
،،،{"المَعْرِفَة"}،،،

نثر الجاحظ الأدبي وأنماط التلقي عند النقاد العرب

Publié le 21 Novembre 2013 par Eze Mohamed

نثر الجاحظ الأدبي وأنماط التلقي عند النقاد العرب

نوقشت يوم الأربعاء 7 دجنبر 2011 بقاعة الدكتور محمد الكتاني بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان ، أطروحة جامعية لنيل الدكتوراه في الآداب تقدم بها الطالب الباحث عبد الواحد التهامي العلمي في موضوع:" نثر الجاحظ الأدبي وأنماط التلقي عند النقاد العرب" ، أمام لجنة علمية مكونة من الأساتذة:د. محمد الأمين المؤدب ( رئيسا)، د. محمد مشبال ( مشرفا ومقررا) ،د. عبد الرحيم جيران (عضوا) ،د. الإمام العزوزي ( عضوا).
وبعد المناقشة التي استغرقت ما يقارب الأٍربع ساعات ، قررت اللجنة العلمية منح الطالب الباحث درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا ، وهذا نص التقرير الذي تقدم به الطالب بين أعضاء اللجنة العلمية.

يصدر هذا البحث عن مبدإ يرى أن تعرف الأعمال الأدبية والتأريخ لها، يمكنه أن يعتمد النظر في الآثار التي خلفتها في تاريخ تواصلها مع قرائها. وانطلاقا من هذا المبدإ المنهجي، ارتكزت قراءتنا لأدب الجاحظ على النظر في مختلف الأحكام والتقييمات والقراءات التي تواصلت مع نصوصه الأدبية، بحثا عن الأسئلة المثارة التي شغلت القراءات من قبيل: ما هي الآفاق التي تفاعلت تاريخيا مع أدب الجاحظ؟ وما هي السنن الجمالية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية التي تعاقبت على قراءته وتفسيره؟ وما هي الأنساق الثقافية الكبرى التي يكشف عنها أدبه تاريخيا؟ وما هي المعاني والتأويلات التي انجلى عنها أدبه في سياق تطوره التاريخي؟ وما هي أنماط البلاغة التي انجلت عنها نصوص الجاحظ الأدبية؟
لقد حاولنا معالجة هذه الأسئلة في أطروحتنا التي اخترنا لها عنوان: "نثر الجاحظ الأدبي وأنماط التلقي عند النقاد العرب".
وقع اختيارنا على نثر الجاحظ الأدبي بوصفه يمثل طورا تأسيسيا في تاريخ النثر العربي، حيث لم يتوقف عن تحريك قراءات متباينة ومتعارضة، منذ القدم حتى اليوم. فالنظر في تاريخ هذا التلقي هو نظر في تاريخ التأويل وغناه، بالقدر نفسه الذي هو نظر في أدب الجاحظ الذي لا نستطيع فهمه وتقديره إلا تاريخيا؛ أي في ضوء علاقته بمتلقيه وقرائه التاريخيين.
وهكذا قمنا بفحص ومعاينة أنماط من القراءات التي أنجزت حول نثر الجاحظ الأدبي، بدءا من التلقيات المبكرة في تراثنا، مرورا بالتلقيات التي أنجزت في الثلث الأول من القرن العشرين، ووصولا إلى التلقيات التي نشطت في الفترة المتأخرة مع ظهور قراءات توسلت بأدوات منهجية حديثة. لقد سعينا في هذا البحث-إذن- إلى النظر في التلقي الذي واكب أدب الجاحظ تاريخيا، حيث أبرزنا كيف أن أفق انتظار القراء كان محددا نوعيا لهذه القراءات، ومبينا درجة تذوقهم وفهمهم واستيعابهم وتفسيرهم لهذا الأدب وحكمهم عليه؛ فصور الجاحظ الأديب في أذهاننا ليست سوى صور صنعتها مختلف التلقيات التي تفاعلنا معها.
لقد عملنا على تجسيد هذا المنهج في صياغتنا لمادة هذا البحث، حيث اقتضى منا ذلك تقسيمه إلى بابين كبيرين؛ في الباب الأول تناولنا أنماط القراءات التي تعاقبت على النظر في هذا الأدب، وأمكننا التمييز بين نمطين عامين من القراءات مرتكزين على التباين الشديد في طبيعة المعيار المعتمد فيها؛ فالمعيار الأخلاقي الديني، كان شعار القراءات القديمة، التي اصطلحنا عليها بالقراءات المعيارية الأخلاقية. أما النمط الثاني من هذه القراءات فقد اصطلحنا عليه بالقراءات الاستكشافية؛ وهو نمط أثار أسئلة أسهمت في إغناء أدب الجاحظ بدمج أفقه النصي القديم بالآفاق الحديثة المتجددة، وهو الأمر الذي أتاح لهذا الأدب أن يكون معاصرا لنا.
هكذا خصصنا الفصل الأول من الباب الأول لتناول "القراءات المعيارية أو الأخلاقية". وهو فصل خاص بـ"التلقي القديم"، عالجنا فيه مواقف القدماء من الجاحظ وأدبه، وانتقينا أحكامهم عليه، ثم بينَّا أن هذه الأحكام حسم فيها أفق انتظار مخصوص خضع له قراؤه القدامى.
لقد رصدنا في هذه القراءات ثلاثة مواقف تجاه الجاحظ:
ـ الموقف الأول: يتجلى في تقريظ أدبه وإبراز محاسنه ومكانته الأدبية والعلمية من خلال مواقف القراء الذين أشادو بنثره، كأبي حيان التوحيدي في كتابه: "البصائر والذخائر"، وابن خلكان في كتابه: "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان."
ـ الموقف الثاني: يظهر في هجائه وإبراز عيوبه الخِلْقِيَّةِ والخُلُقِيَّةِ، والتعرض إلى مساوئه ومثالبه. ومن القراء الذين تعرضوا لمساوئ الجاحظ، أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن علي الكتبي المعروف بالوطواط، في كتابه: "غرر الخصائص الواضحة وغرر النقائص الفاضحة"، والتَّنُوخِي في كتابه: "الفَرَجُ بَعْدَ الشدَّة"، وحمزة بن الحسن الأصفهاني في كتابه: "كتاب التنبيه إلى حدوث التصحيف"، وعبدالقاهر البغدادي في كتابه: "الفَرْقُ بين الفِرَق".
ـ الموقف الثالث: هو موقف وسط بين التقريظ والتعييب. ومن بين القراء الذين وقفوا موقفا وسطا من أدب الجاحظ، ابن حجر العسقلاني في كتابه: "لسان الميزان"، وابن كثير الدمشقي في كتابه: "البداية والنهاية".
كما تظهر في هذه القراءات تلك النظرة الأخلاقية والدينية إلى أدبه؛ وهي كما يبدو نظرة تتبنى موقفا رافضا النظر إليه على أساس تخييلي، أو تقييمه بقوانين الأدب والتخييل. ويتضح هذا الموقف بشكل جلي عند ابن قتيبة، وعبد القاهر البغدادي، والإسفراييني.
ولم يفتنا أن نتلمس سمات نثره التي وقف عليها القدامى كسمة الازدواج، وسمة الجمع بين الجد والهزل، وسمة العري من البديع، وسمة المزاوجة بين العقل والأدب.
وقد حاولنا في الفصل الثاني الذي عنونَّاه بـ"القراءات الاستكشافية"، الوقوف على نمط مخالف من القراء سعوا إلى صياغة أسئلة لا تنطلق من إحساس بتفوق الآداب الحديثة؛ أي إنهم انطلقوا من ضرورة اكتشاف أدب الجاحظ في ذاته بصرف النظر عن تطابقه مع الأدب الحديث. وتتوزع القراءات الاستكشافية إلى أربعة أنماط: القراءة الاجتماعية، والقراءة السردية، والقراءة اللغوية- الأسلوبية، والقراءة الحجاجية.
فالقراءة الاجتماعية يمثلها محمد الجويلي في كتابه: "نحو دراسة في سوسيولوجية البخل: الصراع الاجتماعي في عصر الجاحظ من خلال كتاب البخلاء"، وحسين مروة في كتابه: "تراثنا...كيف نعرفه"، وجميل جبر في كتابه: "الجاحظ ومجتمع عصره"، وفاروق سعد في كتابه: "مع البخلاء، عرض دراسي لكتاب البخلاء للجاحظ".
ويمثل القراءة السردية بعض القراء كضياء الصديقي في دراسته: "فنية القصة في كتاب البخلاء للجاحظ"، والبشير المجدوب في بحثه المعنون ب"القصص النفساني عند الجاحظ".
ومن القراء الذين نحوا إلى قراءة أدب الجاحظ قراءة لغوية أسلوبية، علي خضر في دراسته"صناعة النادرة، بحث في بلاغة الهزل"، وأحمد بن محمد بن امبيريك في كتابه: "صورة بخيل الجاحظ الفنية من خلال خصائص الأسلوب في كتاب البخلاء"
أما القراءة الحجاجية فيمثلها حسن السندوبي في كتابه: "أدب الجاحظ"، ومحمود المصفار في كتابه: "بخلاء الجاحظ بين تعدد الخطاب وخطاب التعدد"، ومحمد النويري في كتابه: "البلاغة وثقافة الفحولة".
وقد عمدنا في الباب الثاني إلى فحص هذه الأسئلة التي أثارها هؤلاء القراء، والنظر في هذه الآفاق المتجددة التي تفاعلت مع أدب الجاحظ؛ إذ كشفنا عن الأسئلة التي أثارها القراء المعاصرون حول هذا الأدب من قبيل: سؤال التصوير، وسؤال التصنيف والتجنيس، وسؤال الحجاج، وسؤال التأويل.
ففي الفصل الأول الذي حمل عنوان: "أدب الجاحظ وسؤال التصوير: قراءة في صيغ التصوير وأنماطه" تعرضنا إلى مجموعة من القراءات التي حاولت أن تظهر الجانب التصويري في نثر الجاحظ وسماته الهزلية والواقعية وتجلياته في النصوص السردية والنثرية الترسلية. كقراءة طه حسين في كتابه: "من حديث الشعر والنثر"، ومحمد كرد علي في كتابه: "أمراء البيان"، وشفيق جبري في كتابه: "الجاحظ معلم العقل والأدب"، وسيد حامد النساج في كتابه: "رحلة التراث العربي"، وجميل جبر في كتابه: "الجاحظ ومجتمع عصره"، وصالح بن رمضان في كتابه: "أدبية النص النثري عند الجاحظ"، ومحمد مشبال في كتابه: "البلاغة والسرد، جدل التصوير والحجاج في أخبار الجاحظ"، وعبد الله البهلول في كتابه: "في بلاغة الخطاب الأدبي، بحث في سياسة القول".
وفي الفصل الثاني من هذا الباب وعنوانه: "أدب الجاحظ وسؤال التصنيف والتجنيس" رأينا كيف لجأ قراء نثر الجاحظ إلى تصنيف وتجنيس نثره. فنظروا إلى الأنواع التي ينطوي عليها؛ فكتاب الحيوان "نص جامع" أو "نص موسوعي" يضم المناظرة والمفاخرة والنادرة والخبر والخطبة والرسالة، أما كتاب البخلاء فإنه يضم نوعين نثريين: النوع الأول سردي وهو النوادر، والنوع الثاني حجاجي وهو الرسائل. لقد وقفنا على مجموعة من القراءات، كقراءة فرج بن رمضان "الأدب العربي ونظرية الأجناس: القصص"، وقراءة إبراهيم بن صالح وهند بن صالح الشويخ: "النادرة في بخلاء الجاحظ"، وقراءة عبد الفتاح كيليطو "الكتابة والتناسخ، مفهوم المؤلف في الثقافة العربية"، وقراءة خولة شخاترة: "بنية النص الحكائي في كتاب الحيوان للجاحظ".
إن تصنيف هؤلاء القراء لنثر الجاحظ اعتمد معايير مختلفة كمعيار النوع، ومعيار الموضوع أو المضمون، ومعيار الأنساق والبنيات. على هذا النحو، اعتنت هذه القراءات بتصنيف نثر الجاحظ وتجنيسه؛ فقامت بتصنيفه إلى أنواع وأشكال وأنماط وأصناف، كما قامت بتجنيس أنواعه محددة مكوناتها وسماتها.
وقمنا في الفصل الثالث من الباب الثاني بتركيز النظر على حجاجية نثر الجاحظ، سميناه: "أدب الجاحظ وسؤال الحجاج"، عرضنا من خلاله القراءات التي اهتمت بالحجاج، وأنواعه، ومقاصده، وغاياته في نوادر الجاحظ ورسائله. ورأينا كيف اهتمت بعض الدراسات بالعلاقة بين السرد والحجاج مستندة في ذلك إلى التمثيل الحكائي وأنواع الحجج المرتبطة بالحياة الثقافية والاجتماعية،كالحجة النفسية، والحجة الطبية الصحية، والحجة الدينية، وحجة البديهة والارتجال. كما عرضنا أنواعا أخرى من الحجج المنطقية وشبه المنطقية كالتعريف، والاستقراء، والتوليد، والقياس الصوري، والمفاضلة. ووقفنا على أساليب الصياغة في الحجاج كالصياغة البنيوية، والصياغة البلاغية واللغوية، ثم انتقلنا إلى أغراض الحجاج وغاياته كالدفاع عن العرب وبلاغتهم، والرد على الشعوبية التي حاولت الحط من قيمة البلاغة العربية، والتقليل من شأن العرب وحضارتهم وبلاغتهم. كما وقفنا على مقاصد أخرى للحجاج كالنصح والإرشاد، والإنكار واللوم، والتبرير والتفسير، والدفاع عن الذات، والتعليم والتعلم، وتدريب العقول. فبدا لنا أن أدب الجاحظ -بحسب المنظور الحجاجي في القراءة- أدب عقلي بامتياز يهتم بالحجة ويعلي من شأنها، ويأخذ في حسبانه مواقف الخصوم وتوجهاتهم. كما بدا لنا نص الجاحظ النثري نصا ترسليا يسخر جملة من الطاقات الإقناعية لتثبيت الموقف وإحداث التغيير في الواقع، من دون أن تعوزه الآليات اللغوية والفكرية الكفيلة بتحقيق مقاصده. كقراءة إلياس فرح "الصراع الفكري عند الجاحظ"، وفيكتور شلحت "النزعة الكلامية عند الجاحظ".
وفي الفصل الأخير من الباب الثاني انتقلنا إلى قراءة أخرى بعنوان: "أدب الجاحظ وسؤال التأويل" فوقفنا في هذا الفصل على مجموعة من القراءات المعاصرة التي قاربت نثر الجاحظ من وجهة نظر التأويل الذي يعد قراءة جديدة تهدف إلى الكشف عن خفايا النصوص المدروسة وخباياها؛ ولا شك أن القراءات التأويلية لنثر الجاحظ تخلق حوارا بين القراء والنصوص المدروسة لإضفاء معنى مشترك بين الطرفين؛ فقراء الجاحظ المعاصرون يثيرون الأسئلة المتواصلة قصد سبر أغوارها. كما بينَّا كيف أن هذه القراءات التأويلية تهتم بنصوص الجاحظ النثرية، وتسعى إلى تناولها من الداخل وإجراء حوار معها قصد اكتشاف أسرارها والكشف عن كنوزها، وإثارة أسئلة جديدة لا متناهية كما أشرنا إلى ذلك سابقا.
لقد وقفنا على مجموعة من القراءات التأويلية كقراءة مصطفى ناصف "محاورات مع النثر العربي"، وشارل بلِاَّ "الجاحظ في البصرة وبغداد وسامرَّاء"، وعبد الفتاح كيليطو "الأدب والارتياب"، وزكي نجيب محمود "المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري" وعبد الله الغدامي "النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية".
قامت هذه القراءات بتأويل أبعاد مؤلفات الجاحظ ككتاب (الحيوان) وكتاب (البيان والتبيين) وكتاب (البخلاء)، وإبراز الصراع القائم بين الشعر والنثر، وتحديد مكونات بلاغة النثر في هذه النصوص: كالجد والهزل، والاستقصاء، والسرد، وإهمال فكرة البطولة، والعطف على النقص.
وقد كشفت هذه التأويلات عن غنى أدب الجاحظ، الذي غدا، بفضل طبيعة الأسئلة المتجددة التي صاغها المؤولون، أدبا حيا ومتجددا. تجاوز بشكل كبير مفهوم الدلالة الوحيدة التي كانت القراءات القديمة تشده إليها. ودلَّ على أنه أدب مستجيب لمختلف المنظورات والرهانات التأويلية الممكنة. وهذه صفة أصيلة في الأدب الحي، تُمَكِّنُ أدب الجاحظ من القدرة على الاستمرار في الحياة، وتعطيه المناعة الكافية لمواجهة خطر التجاوز والنسيان الذي أعدم عديدا من النصوص مع توالي العصور والأزمان.

Commenter cet article